الجمعة، 25 يونيو 2010

العولمة والدول النامية ... وآليات الخروج من التهميش

نظراً للحراك الحضاري والتطوري التي أفرزته ظاهرة العولمة وما أحدثته من تحولت كبيرة على جميع الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية وإطلاق ديناميكية النمو والتطور والتي ساهمت على تطور المعرفة والتكنولوجيا ونشر أفكارها وقيمها وفرضت على البشرية أسلوباً جديداً من التفكير والتعايش معها ونمطاً جديداً من الإنتاج، ونتيجة لذلك تمخض عنها أوضاع متباينة على دول العالم فمن الدول من استطاعت التواصل والتفاعل مع متطلبات العولمة واستفادته منها والسبب يرجع لامتلاكها المقومات والكفاءة وتوافر الخصائص والإمكانيات والقدرات الذاتية التي أهلتها للاستفادة من مزاياها والاندماج والتفاعل معها، ودول أخرى ومنها الدول النامية لم تستطع الحراك والتواصل مع العولمة والتفاعل معها، لعدم امتلاكها المقومات والخصائص والإمكانيات والقدرات الذاتية التي تمكنها من الاندماج والتكيف والتطور والتفاعل مع النظام الاقتصادي العالمي، لذلك تحولت هذه الدول إلى كيانات مهمشة – هي موجودة ولكنها غير قادرة على التفاعل والتأثير في فضاء العولمة – مما يخلق عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ويعزز حالة الإحباط والعزلة الدولة ، ومن أجل الخروج من هذا الوضع الصعب (التهميش) والانطلاق إلى فضاء العولمة يجب أن تكون عن طريق وعبر تحولات جوهرية وامتلاك خصائص ومقومات ومسارات واتخاذ قرارات أساسية والاستفادة من الفرص المتاحة وامتلاك التقنية ومعايير الكفاءة والتفوق.
لهذا يجب على الدول النامية توظيف كل ما يمكن توظيفه بعد معرفة الواقع من حولها عن طريق خلق التقاء وتكامل بين بنية الدولة وشعبها والتعرف على الإمكانيات والقدرات على التفاعل مع واقع العولمة ومن حولها، كذلك يجب على الدول التعرف على ما تستطيع أن تقدمة وماذا يريد العالم منها، ومن خلال هذا تستطيع الدول المهمشة إيجاد الطريقة المناسبة ووضع بيئة جديدة تؤهلها للدخول في عملية التطور والاندماج والتكامل الإقليمي والعالمي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وكل هذا سيتحقق من خلال تبني برامج وسياسات الإصلاح الاقتصادي، باعتبار برامج الإصلاح من أهم الوسائل للخروج من وضع التهميش والتعامل مع التحديات وإشكاليات التخلف، وهي ضرورة في كل الأوقات ولكل الدول فبرامج الإصلاح هي أيضاً عملية تعزيز مقومات الأداء وإعادة ترتيب وتنظيم وتوجيه السياسات الاقتصادية والاجتماعية من أجل خلق تحول شامل يخرج الدولة من التهميش والعزلة ويعمل على إطلاق آليات الأداء الفعلي للاقتصاد، وتحقيق أبعاده من خلال بناء الخصائص الكلية للمجتمع وإيجاد سياسات اقتصادية سليمة وبناء المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السليمة وخلق بيئة أداء مناسبة وكفئة.
وأن معرفة واقع الدولة من حيث الأهداف والمقومات والخصائص الذاتية تمثل المنطلق الأساسي لبرامج الإصلاح وإنتاج سياسات اقتصادية سليمة، لذا يجب وجود فهم واستيعاب دقيق لكل المنطلقات والدوافع الموجودة، وقبل البدا في أي عملية إصلاحية لابد من تطوير رؤيا وقدرة وطنية تسهم بشكل فاعل في تصميم وتطوير برامج الإصلاح وكذلك معرفة وفهم موقع الدولة الحالي من أجل السير نحو الوضع المرغوب والاتجاه الصحيح، لذلك يجب معرفة الاتجاه العام ومعرفة المسارات الضرورية واللازمة ومعرفة بنية الأهداف التي تريد التوصل إليها وأن يكون هناك وضوح نظري وفعلي (تجريبي)، من أجل أعطاء العملية الإصلاحية الاتجاه المستقبلي واستيعاب مترتبات الوجود الإقليمي والدول وجعلها قادرة على مواجهة تحدي التهميش التي هي فيه ووضع مقومات النجاح والقدرة على التفاعل والاندماج في المحيط الإقليمي والدولي.

كما أن هناك سبب مهم لنجاح أي برنامج إصلاح ومَدخل مهم في عملية إنتاج السياسات الاقتصادية السليمة، ألا وهو المجتمع إدراكه وراويته لعملية الإصلاح باعتبارها غاية ووسيلته للتحول والتطور والنمو، مما يجعله يتبناها ويردك أهدافها وأهميتها ومقتضياتها وأبعادها لأن المجتمع في الأصل غاية وهدف العملية كلها.

ومن جهة أخرى لن ينجح أي برنامج إصلاح ولن تتحقق السياسات الاقتصادية السلمية إلا من خلال وجود بيئة أداء مناسبة وسليمة تقوم على سيادة القانون والاستقرار السياسي والأمني، باعتبار سيادة القانون أحد المقومات الأساسية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

ومن الملاحظ العلاقة التكاملية لجميع الأدوات السابقة من تبني برنامج إصلاح اقتصادية وإيجاد آليات إنتاج السياسات الاقتصادية السليمة والعمل في ظل سيادة القانون، والتي ستعمل من أجل الخروج بالدول النامية والمهمشة من وضعها الحالي وجعلها قادرة على التواصل والتفاعل والاندماج والتكامل مع المحيط الإقليمي والدولي.
باعتبار التكامل الإقليمي والدولي مرهون بدور البلدان النامية والمهمشة على تحقيق إصلاحات جوهرية وخلق بيئة أداء وإنتاجية قادرة على المنافسة، وفي حالة تحققه تكون الدولة مؤهلة للاندماج والتكامل الإٌقليمي والدولي، الذي سينتج عنه تحقيق الاستقرار الاقتصادية والاجتماعي المنشود، وجعلها قادرة على مواجهة التحديات.

وهذا ما أراه ينطبق على وضعنا في اليمن فقد تبنت الجمهورية اليمنية برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل في مارس 1995م، وقد تعزز بدعم ومساعدة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، وقد سعت الحكومات المتعاقبة على تحقيق أهدافه والنهوض بمقومات وخصائص وقدرات المجتمع وخلق بيئة أداء كفئة وفعالة، وجعلها قادرة على الوفاء بمتطلبات الاندماج والتكامل الإقليمي والدولي وهاهي اليمن قد انضمت جزئياً إلى مجلس التعاون الخليجي وتفاوض للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية والتي أتوقع انضمام اليمن إليها في الأعوام القليلة القادمة، والكثير لا يتسع المقام لذكره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق