الاثنين، 6 ديسمبر 2010

حرب العملات... أسبابها وتداعياتها

ظهر في الفترة الأخيرة مصطلح جديد آلا وهو حرب العملات، وقبل البدء في الحديث عن هذا المصطلح وأبعاده وأطرافه وتأثيراته ... دعونا نتحدث عن العملات نفسها... ما هي العملات؟ ... وكيف وجدت؟ ... وما هي وظائفها؟

تطورت العملات إلى أن وصلت إلى شكلها الحالي...فبدء الإنسان منذ وقت طويل بالاعتماد على نفسه في توفير احتياجاته من السلع والخدمات، ونظراً لتوسع حاجات الإنسان وتنوعها ظهر ما يسمى بالمقايضة (التخصص) ... أي أن يقوم كل فرد بإنتاج المنتجات التي يستطيع إنتاجها بكفاءة ... وأن يقوم بعدها كل فرد باستبدال ما يفيض من إنتاجه بسلع أخرى يحتاجها ويتخصص آخرون في إنتاجها... ومع مرور الزمن ظهرت عيوب كبيرة لهذا النظام ... فكان على كل من يرغب في إتمام عملية التبادل أن يبحث عن ذلك الشخص الذي تتوافق رغباته معه حتى تتم عملية المقايضة... مما يستغرق وقت وجهد كبيرين، بالإضافة إلى صعوبة تجزئة بعض المنتجات... لهذه الصعوبات بدء الإنسان بالبحث عن نظام أو مادة يتم بواسطتها تبادل السلع والخدمات وتقدر بها قيم الأشياء ويسهل التعامل بها... فكانت النقود هي الحل الذي وجدة الإنسان ... فظهرت النقود السلعية أي تحديد سلعة معينة كوسيلة للتبادل مثل الماشية كما حدث في الإغريق... ونظراً للصعوبات التي واجهتها النقود السلعية ظهرت النقود المعدنية كونها أفضل وسيط لإجراء عملية التبادل بينهم من حيث كونها أقوى على البقاء كما يمكن تجزئتها وتشكيلها بالحجم والشكل المطلوبين، لذا فضل الإنسان استخدام الذهب والفضة لأسباب كثيرة من أهمها: القبول العام وسهولة الحمل والنقل وثبات القيمة نسبياً، والمتانة وعدم تأكلها... وقد ظل الإنسان يستخدم الذهب والفضة لفترة طويلة حتى أوائل القرن العشرين... إلى أن ظهرت النقود الورقية كنتيجة لتطور ونمو التجارة وتطور أعمال الصرافة التي ظهرت في تلك الفترة، وكانت أول محاولة لإصدار نقود ورقية في شكلها الحديث هي التي قام بها بنك استكهولم بالسويد سنة 1656م عندما أصدر سندات ورقية تمثل ديناً عليه لحاملها وقابلة للتداول والصرف إلى ذهب بمجرد تقديمها للبنك...

ونظراً لمحدودية كمية الذهب والفضة وتطور ونمو الاقتصاديات وبالأخص بعد الحرب العالمية الأولى وفك الارتباط بين الذهب والدولار الأمريكي ... ولجوء الولايات المتحدة الأمريكية إلى طباعة النقود بدون تغطية واعتمادها على قوة الاقتصاد... وقد لجئت كل الدول إلى نفس الطريقة ... لذا ظهر ما يسمى بسعر الصرف وهو سعر عملة بلد معين مقابل عملة بلد آخر ... وقد استخدم الدول نظم أسعار صرف مختلفة... منها نظام سعر صرف ثابت أي ربط سعر صرف عملة دولة مثل السعودية والإمارات والأردن بالدولار الأمريكي ... في حين تربط دول مثل ليبيا والكويت عملاتها بسلة من العملات... كما تطبق بعض الدول سعر صرف حر أي يتحدد سعر بناءً الطلب والعرض مثله مثل أي سلعة، وهذا ما يطبق في اليمن منذ تطبيق برنامج الإصلاح في مارس 1994م.

وتتمثل أهمية النقود في أنها أفضل وسيط للتبادل ... وتضم الكثير من الوظائف أهمها معيار للمدفوعات المؤجلة ومقياس للقيمة ومستودع للثروة ... إلا أنها لم تقتصر عند ذلك الحد فقد توسعت وظائفها ونظم سعر الصرف المستخدمة فيها لتتحول إلى أحد المحفزات الاقتصادية ... وواحدة من وسائل الحروب الحديثة... والناتجة عن التوسع الكبير في التجارة الخارجية وتداخل الاقتصاديات وظهور الأزمات المالية التي كانت آخرها الأزمة المالية العالمية 2008م التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية و حاولت الخروج منها بكل الطرق والوسائل.

وهنا نستطيع الرجوع إلى مصطلح حرب العملات الذي خرج من رحم صراع الكبار، أي الصراع الاقتصادي بين أمريكا والصين... بين الاقتصاد الرأسمالي الأمريكي القائم على حرية السوق والاعتماد على القطاع الخاص والتي تعاني من أزمة مالية عصفت بها خلال الثلاث السنوات الماضية وتحاول الخروج منها... والاقتصاد الاشتراكي الصيني الذي ينمو بمعدلات قياسية آثار خوف وفزع اقتصاديات العالم ومنها أمريكا.

فماذا تعني حرب العملات؟ وبتفسير بسيط هي تأثير الدول على قيمة عملاتها بما يحقق مصالحها ويجعل اقتصادها أكثر قدرة على المنافسة، وهذا ما حصل في الفترة الماضية والتي سعت فيها أمريكا أقناع الصين برفع قيمة عملتها اليوان لتعبر عن حجم اقتصادها، فرضت الصين ذلك معتبرة أن ضعف اليوان يساهم في زيادة صادراتها التي غزت العالم وتشكل عصب اقتصادها... فلجأت أمريكا إلى استخدام سلاح الدولار الرخيص الذي أصبح متوفر وبكميات كبيرة وبسعر فائدة رمزية لا يزيد عن نصف الواحد بالمائة، أدى هذا إلى انخفاض سعر صرف الدولار مقابل اليورو والين وغيرها من العملات، الأمر الذي يحقق لأمريكا ميزة تنافسية أخرى وهي تشجيع الصادرات الأمريكية لرخص ثمنها بنظر العالم وتخفيض قيمة المستوردات الخارجية لارتفاع قيمتها بنظر الأمريكيين وخلق فرص عمل وهي بأشد الحاجة إليها.

لذا تبادلت الصين وأمريكا الاتهامات بهز اقتصاديات العالم فكل دولة تسعى لتحقيق مصالحها الاقتصادية بغض النظر عن ما سيصير إليه العالم، والخوف في الانتقال من سلاح العملة الرخيصة إلى سلاح الحماية التجارية، أي فرض تعريفات جمركية مرتفعة على السلع المستوردة مما يؤدي إلى إضعاف التجارة العالمية والتوجه نحو الانعزالية، كما حصل بعد الركود العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي.

والجدير بالذكر بأن تداعيات هذه الحرب ليست محصورة فقط على الدول المتحاربة ...وقد وصل إلى جميع الدول بلا استثناء... بل وكل فرد سيتأثر بها ... فكل من يملك عملة أجنبية مثل الدولار ، يورو...الخ، أو يستهلك سلع أو خدمات مستوردة ... فسوف يتأثر بصورة مباشرة وغير مباشرة... وقد يتضح تأثيرها في الأمد القصير والطويل.

فمن التداعيات المباشرة للاقتصاد اليمني ... باعتباره من الاقتصاديات التي تعتمد على النفط بنسبة كبيرة، وكما هو معروف بأن النفط مسعر بالدولار الأمريكي ... وعند انخفاض سعر الدولار انخفضت معه قيمة النفط، بما يؤدي إلى انخفاض القيمة الحقيقية للإيرادات الحكومية التي تعتمد عليها بنسبة 70% وانخفاض القدرة الشرائية.

وبما أن اليمن من الدول المستوردة، فتستورد ما يزيد عن 55% من احتياجاتها من السلع والخدمات من الخارج، ومن أهم شركائها التجاريين وهم الإمارات العربية المتحدة، الصين، أمريكا، الإتحاد الأوربي، فمن دون شك تأثرت أسعار المستهلك في الداخل... مما أنعكس وينعكس على غلاء الأسعار في مختلف السلع خصوصاً الأغذية والسيارات.

كما امتدت التداعيات إلى الحكومة واحتياطياتها وحتى الأفراد العاديين الذين يدخرون بالدولار، فقد انخفضت ثرواتهم نتيجة انخفاض قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى.

لذا على العالم إعادة النظر في السياسات الاقتصادية والنقدية العالمية، ووضع عملة تداول دولية تكون من سلة عملات وتحظى بثقة واحترام كل دول العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق