الثلاثاء، 10 أغسطس 2010

سعر الصرف ... المتهم البريء

كثير من الناس هذه الأيام يتذمرواً ويصيحواً لتغير سعر صرف الريال... اعتقد بأنهم على حق ... فمن أهم متطلبات السوق هي الاستقرار ... واستقرار سعر الصرف على رأسها لأن ما يزد عن 90% مما نجدة في الأسواق هو استيراد... أي تدفع قيمتها بالعملة الأجنبية وعلى رأسها الدولار... فكيف يستطيع المستثمر والتاجر اتخذا قرارات شرائه وبيعه؟ وكيف يستطيع المستهلك اتخاذ قراراته الحالية والمستقبلية؟


والمتأمل للوضع بشكل دقيق سيتضح له بأننا سبب المشكلة وحلها... فتهافت الكثير من الناس على الدولار وشراءه يخلق ضغوط على سعره ويضعف الريال، فلو كلاً أخذ حاجته الأساسية لبقي الكثير منه في السوق واستقر سعره.

وأن ظاهرة الادخار والتداول بالدولار والتي تنامت خلال العقد الماضي وعززتها الكثير من القرارات والتوجهات الحكومية جعلت منها ثقافة يحترفها أبسط الناس.

فالمتابع سعر الصرف خلال الفترة الماضية يتضح له الآتي:-

المرحلة الأولى (1990-1994):- في هذه المرحلة مر سعر الصرف بالكثير من التغيرات ووجود عدة أنظمة للصرف بما خلق اختلال كبير في سوق سعر الصرف وهي:-

- سعر صرف رسمي (21) ريالاً للدولار، تم العمل به من 10 فبراير 1990م واستمر حتى منتصف 1995م.

- سعر الصرف الجمركي (18) ريالاً للدولار.

- سعر صرف (5.5) ريال للدولار، خاص بالدبلوماسيين.

- سعر تشجيعي (25) ريالاً للدولار، تم العمل به من ابريل 1993 واستخدم في احتساب مشتريات البنك المركزي من النقد الأجنبي.

- سعر صرف (85) ريالاً للدولار وهو السعر الذي اقرته لجنة الصرافة في منتصف نوفمبر 1994م، وكان بمثابة سعر تدخل من قبل البنك المركزي.

- سعر صرف في السوق الموازي والذي وصل فيه الريال إلى (120) ريال للدولار نهاية عام 1994م.

وهذه الأسعار المتباينة والمزدوجة خلقت اختلالات كبيرة، ولمواجهتها وكأحد ركائز برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي قام البنك المركزي اليمني في عام 1996م بتحرير سعر الصرف، وبموجبه أصبح سعر الصرف يتحدد بناءً على قوة السوق (الطلب والعرض) مثله مثل أي سعلة.

وهذا الإجراء خفف الضغوط على البنك المركزي، وجعله يراقب ويتدخل في حالة الحاجة بدلاً من مدافع على سعر صرف معين، كما خلق استقرار نسبي لسعر صرف الريال مقابل الدولار خلال الفترة 1997-2009م والذي بلغ متوسط التغير السنوي فيها حوالي 4%، رغم كل الأزمات التي مر بها اليمن خلال تلك الفترة، ويرجع السبب إلى عوامل كثير ومن أهمها الإدارة الجيدة للسياسة النقدية وتراكم الاحتياطيات الخارجية واستخدامها في تحقيق الاستقرار والتدخل في الوقت المناسب.

والجدير بالذكر بأننا لم نعد نسمع من كان يتكلم عن البنك المركزي واحتياطياته التي يجب ضخها في مشاريع والاكتفاء بمبلغ بسيط منها... في اعتقادي لولا تلك الاحتياطيات لكنا نشاهد سيناريوهات أخرى غير مرغوب فيها في سعر صرف الريال خلال الفترة القليلة الماضية.

وما شهده سعر صرف الريال خلال النصف الأول من هذا العام 2010م يرجع في الأساس إلى ضغوط كبيرة من قبل ميزان المدفوعات، والذي حقق عجز خلال الثلاث السنوات الماضية على التوالي، بالإضافة إلى تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة خلال السنوات الماضية ووصف إلى حوالي 10% عام 2009م، وزيادة العرض النقدي بأكثر من زيادة الناتج الإجمالي المحلي الحقيقي، أدى إلى خلق ضغوط تضخمية... كل هذه الضغوط لم تجد متنفس لها إلا سعر الصرف... المتهم البريء.

لا نستطيع أن نقول بأن البنك المركزي ظل مكتوف اليدين خلال الفترة الماضية بل حاول استخدام أدواته سواءً سعر الفائدة أو التدخل في السوق.... فقد قام برفع سعر الفائدة في الفترة الماضية إلى مستوى قياسي لتصل على 20%، وكن هذه الأداة لم تأتي أكلها... وهذا كان متوقع نظراً لعدم مرونة النقود مع سعر الفائدة... وكان يمكن أن تكون هذه الأداة فعالة في اقتصاد وقطاع مصرفي متقدم.

وإذا ما انتقلنا إلى الإدارة الثانية التي استخدمها ويستخدمها البنك المركزي وهي التدخل في سوق سعر الصرف أي بالبيع... والمتابع للبنك المركزي وتدخل في السوق فسيلاحظ بأن تدخله ينمو بشكل كبير فقد تدخل البنك في عام 2000 بمبلغ
197 مليون دولار فقط في حين تدخل في عام 2009م بمبلغ 1914 مليون دولار أي بمتوسط معدل نمو سنوي قدرة 87%، ووفقاً لهذه النتائج نتوقع بأن يتدخل البنك المركزي في العام الجاري 2010م بمبلغ 3579 مليون دولار إذا استمر على نفس السياسة... أي نصف الاحتياطيات الخارجية المعلن عنها بداية عام 2010م تقريباً... والسؤال عنا هل سيستمر البنك المركزي في استخدام هذه السياسة؟

وفي اعتقادي بأن هناك خياران لا ثالث لهما، الأول أن البنك المركزي وحدة قادر على خلق استقرار في سعر الصرف في الأمد القصير ولكن سيكون الثمن باهض... ولكنه لن يستطيع تحقيق استقرار سعر صرف الريال على الأمد المتوسط والطويل إلا بجلوس البنك المركزي ووزارة المالية ووزارة التخطيط ووزارة الصناعة والتجارة والجهات المعنية لوضع برنامج إصلاح جديد... يتم بموجبه تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة وإيجاد آليات لتخفيض عجز ميزان المدفوعات وتخفيض العرض النقدي وزيادة الرقابة على القطاع المصرفي وقطاع الصرافة باعتبارهما النافذة التي تمر عبرها معظم النقد الأجنبي.

الخيار الثاني أن يترك الريال يلقى مصيره إلى أن يستقر ذاتياً وهذا الخيار سوف تكون له عواقب اقتصادية وسياسية واجتماعية وخيمة ... يمكن أن يصعب تحملها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق